كتب : احمد معوض
أثار احد الاشخاص على إحدى مواقع التواصل الاجتماعي طرحه الذي يتساءل من خلاله بشدة لماذا تُمتهن المرأة في مجتمعاتنا العربية وعليها أن تسمع عبارات تخدش حيائها وتمس كرامتها كلما نزلت إلى الشارع ، لماذا لا تشعر في مجتمعنا بالأمان ؟؟!!
قبل الإجابة عن هذا الطرح والتساؤل نبدأ أولا بالحديث عن حرية المرأة في الاسلام وكيف أنه اعطى للمرأة المسلمة حريتها المطلقة وحقوقها الكاملة بل أشار إلى أنها ليست مِلكا لأحد من الرجال سواء كان أبا أو أخا أو زوجا وإن كان لهم عليها حق الطاعة بل وكان لها كامل الحق في أن تمتلك وأن ترث وأن يكون لها مالها الخاص ، بل وحتى حق اختيار زوجها وعدم اجبارها على الزواج ممن لا ترضاه واشترط في زواجها رضاها وموافقتها الكاملة دون اجبار أو اكراه كما أنه لم يمنعها من العمل وفق ضوابط شرعية محددة ومعروفة إلى آخر تلك الامور التي اتاحها الاسلام للمرأة وأقرتها الشريعة كتابا كانت أو سنة
حتى في احلك الظروف واسوأها وابغضها واشنعها على الاطلاق وهي عندما ترتكب إحداهن جريمة الزنا ، فقد اشترط الاسلام لقيام حد الزنا عليها سواء كانت متزوجة أو بكرا وخلافه ، أن يشهد على ذلك الفعل اربعة من الرجال الاحرار العدول أو ثمانية نساء من الاحرار بل والادهى والامر ، بل وأصعب الشروط على الاطلاق هو أن يشهدوا عملية الايلاج الفعلي أو أن تعترف المراة على نفسها ثلاث مرات أنها قد قامت بارتكاب جريمة الزنا (وفي السيرة النبوية الشريفة أحداثا كهذه لنساء قمن بالاعتراف بارتكابهن الزنا …. بل وكان هنالك بين كل اعتراف واخر فترة زمنية طويلة من حمل ووضع وارضاع للصغير وغيرها …… )
يأخذنا ذلك الحديث إلى التطرق عن نقطة أخرى في مستهل الحديث وهي أنه بعد ان جاء الاسلام وحرم وأد البنات وقتلهن بحجة أنهن يجلبن العار وأنه يجب التخلص منهم وقد ذكر القران الكريم ذلك في قوله تعالى :
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) – صدق الله العظيم – سورة النحل
بل وعلى العكس من ذلك قام الاسلام بوضع المرأة في مكانها الصحيح والطبيعي وزاد على ذلك بأن منحها من الحريات ما لم تكن تتمتع به من قبل اللهم إلا في الحضارة الفرعونية حيث كانت آنذاك ملكة متوجة تمسك بزمام البلاد وتحكم الرعية بل وتقود الجيوش وتخوض غمار الحروب وتقيم الامبراطوريات واعظم مثال على ذلك الملكة حتشبسوت تلك التي ساد حكمها اثني وعشرون عاما امتازت بالرفاهية والسلام والاستقرار على الرغم من أنها ورثت تركة ثقيلة تتمثل في امبراطورية عظيمة خلفها لها والدها تحتمس الاول ، وعلى النقيض تماما في الممالك والدويلات التي كانت معاصرة للدولة الفرعونية كانت المرأة فيها تمتهن ولا تملك حريتها ، ولن نذهب بعيدا ففي الديانة اليهودية كان للمرأة وضعا خاصا مهينا جدا فلا يكاد يذكر لفظ امرأة الا ويذكر معها كل ما هو مشين بل كانت تعتبر قرينة للشر إن جاء ذكرها جاء ذكر الشر معها والويلات والشر الاقدار …… على سبيل المثال لا الحصر
ورد في التلمود كتابهم المقدس: «إن المرأة هي حقيبة مملوءة بالغائط»!
كما ورد فيه : «يجب على الرجل ألا يمر بين امرأتين، أو كلبين أو خنزيرين، كما لا يجب أن يسمح رجلان لامرأة أو كلب أو خنزير بالمرور بينهما
ولا يوجد ما هو اكثر اهانة من اقتران اسم المرأة بالكلب والخنزير
اذن الاسلام فقط هو من أعاد للمراة حريتها المسلوبة ومنحها كامل حقها في الحياة بل اعطاها الحق في ان تخرج بكامل حريتها للعمل بل الانخراط في الجيش في نطاقات محدودة الا ان هناك استثناءات في مشاركتهن الجنود غمار الحروب ومنها على سبيل المثال
(ويمكن القول إن “أم عمارة” هي أول محاربة من النساء في الإسلام، وقد قال عنها النبي: “ما التفت يميناً أو شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني، ومن يطيق ما تطيقينه يا نسيبة”.
وشاركت “أسماء بنت يزيد”، وكنيتها أم سلمة، مع النبي في غزوة خيبر، وشاركت في حرب المسلمين على الروم في معركة اليرموك، وكانت أسماء يومئذ زعيمة للنساء المشاركات في الحرب، ويذكر المؤرخون أنها قتلت تسعة من الروم بعمود خيمتها في هذه المعركة)
وعودة إلى عادة وأد البنات التي كانت منتشرة في الجزيرة العربية إبان العصر الجاهلي وقبل ظهور الاسلام وبعثة النبي – صلى الله عليه وسلم –في أنها قد عادت للظهور من جديد في مجتمعاتنا العربية في زماننا المعاصر متخذة أشكالا عديدة وصورا متنوعة تتوافق وطبيعة الحياة المعاصرة ، فمنذ أن قام الاسلام بوأد تلك العادة القديمة بشكلها القبيح وهو دس البنات في التراب أحياء ظنا أنهن يجلبن الخزي والعار …. فاليوم قد تلاعب المجتمع بنهج اسلامهم الصحيح واخرجوه من عباءته القويمة وحادوا به عن الطريق المستقيم الى محض تفسيرات ومغالطات تتوافق وأهوائهم دون المساس مباشرة بعقائده وشريعته بل بالالتفاف حولها تارة بادخال المغالطات والتفسيرات الخاطئة عليه وتارة اخرى باصدار الفتاوى الغريبة والمتسقة مع ظروف معينة لتتناسب مع اهدافهم واغراضهم ونواياهم
ذلك التلاعب نابع من تلك العصبية القبلية التي كانت منتشرة في الجزيرة العربية قبل ظهور الاسلام الذي حارب مرارا وتكرارا تلك الموروثات والعادات والتقاليد القبلية الا إنه لم يستطع القضاء عليها كلية فما لبثت ان عاودت الظهور من جديد عندما وجدت لها متنفسا طبيعيا مستندا على تلك الاسباب التي ذكرت قبل قليل ومتمثلة في امتلاك الرجل لحرية المراة تحت غطاء القوامة احيانا واحيانا اخرى تختلق لها الاسباب كل حسب ما يتراءى له
وقد منحت القوانين الوضعية النابعة من عقول البشر فرصة ذهبية لبعث المجتمع من جديد على اساس ذكوري محض نسج شباكه ببطء وروية حتى تسنى له اخضاع المرأة بين براثن انيابه
كل ذلك يدفعنا الى اعادة طرح السؤال من جديد وبقوة … لماذا تمتهن المرأة في مجتمعاتنا ولا تحصل على حقوقها وحرياتها وكرامتها التي منحها لها الاسلام خاصة وأننا مجتمع اسلامي ولماذا تدنت اخلاق الرجال إلى هذه الدرجة وقبل ان نبحث ذلك الموضوع قام صاحب السؤال بإثارة عدة اجوبة من نفسه تتعلق بالشق الأول من السؤال لكنها اجوبة لا تمت للواقع بصلة ومنها الفقر ، لكنه اجاب عن ذلك بقوله ان هناك مجتمعات أقل فقرا ولا تعاني فيه المرأة ما تعانيه من تحرشات لفظية او جسدية ، وطرح ايضا فكرة تأخر سن الزواج وما يصاحبه من كبت جنسي ومشكلات فلا تجد لها متنفسا سوى التحرش وحالات الاغتصاب وغيرها ….
وهنا ايضا نعود الى نفس الاجابة الاولى …. وطرح ايضا صاحب السؤال الكثير والكثير من الافكار التي يقوم بتفنيدها مضيفا اليها ما ينطبق عليها وما يتعارض معها … الا ان هنالك سؤالا اخر يفرض نفسه بنفس القوة وربما اشد رغم ان صاحب تلك التساؤلات السابقة لم يتعرض بالذكر للمجتمعات الغربية وهي اكثر غنى وثراء واكثر انفتاحا وتحضرا وتعيش ما تعيش من حالات التقدم والازدهار والاستقرار ودخل الفرد بها اضعاف دخل الفرد في مجتمعاتنا ورغم ذلك يوجد بها نسبة لا بأس بها من الاغتصابات والتحرشات والقتل
وإن كانت لا تتجاوز تلك النسبة ثلث ما نحصده عندنا اضف الى ذلك ان المرأة هناك تنفرد بحق قوي واصيل تتميز به عن مثيلتها في مجتمعاتنا فهي لا تخشى على الاطلاق من نظرة المجتمع لها ان هي اثارت ما تعرضت له أو ارادت أن تنتهج النهج القانوني في اقامة دعوى قضائية واثبات انه تم التعدي عليها واتهام ذلك المعتدي بل ونزيد على انها ستجد التعاطف الكبير في مجتمعها والوقوف بجانبها حتى تحصل على حقها كاملا وياخذ الجاني عقابه وهذا برايي هو من اقوى الحقوق اقوى من حق التملك والارث وغيرها ، وعلى النقيض تماما نرى في مجتمعاتنا العربية ان الضحية انقلبت واصبحت هي الجاني والمسئولة مسئولية كاملة عما تعرضت له وهي السبب الرئيسي في الاعتداء عليها لاسباب كثيرة نعرفها جيدا يسردها ضعاف النفوس مرارا وتكرارا في مجتمعاتنا المريضة التي تثير شهوتها امرأة ترتدي النقاب أو طفلة رضيعة
ومن ثم يصبح الجاني ضحية لتلك المرأة اللعوب التي قادته الى ارتكاب ما ارتكبه معها اضف الى ذلك بعضا من التقاليد والعادات الاسرية التي لا اول لها ولا اخر بداية من الخجل الذي يجب ان تتحلى به المرأة او الفتاة التي لا يصح لها ان تتحدث عن ذلك وعليها ان تخجل من نفسها ومما ترتديه وان كان حجابا او خمارا ، انتهاء الى ما ستجلبه من عار ومشاكل لا حد لها إن اثارت الموضوع او ارادت اقامة دعوى قضائية ضد من اعتدى عليها وحدث ولا حرج عن مرور السنوات والسنوات حتى يحكم لها ان صدر حكما ينصفها ويعطيها حقها وما تتركه تلك المدة من اثار نفسية وقد يعزف عنها الرجال …………. الخ
في نهاية الامر تقودنا حتما تلك الافكار والرؤى الى الحديث عن طبيعة ذلك السؤال والترابط والتزامن مع الأحداث الواقعة في مجتمعاتنا العربية فربما يكون السؤال اكثر واقعية ان تمت صياغته بشكل مختلف يتوافق مع طبيعة المجتمع العربي الذي نعيشه الان ، اما اذا اردنا الاجابة عن السؤال نفسه وبنفس صياغته التي تم طرحها وهي تخصيص المراة فقط وما تعانيه في شوارعنا الغير امنة لها فسوف نتعرض الى سبب واحد فقط هو الاساس في كل تعاملاتنا مع من حولنا من نساء ، فالمراة قد تتعرض في مجتمعاتنا لممارسات الضغط والقهر من جانب اشد الناس قربا لها اكثر من الغرباء عنها او من لا تعرفهم
تسير بنا كل تلك الطرق ومفترقاتها الى طبيعة حتمية واحدة وهي موروثات المجتمع وعاداته وتقاليده التي نشأ عليها وهي ليست وليدة اليوم او نتاج صدفة معينة اظهرتها بعض المفاهيم او الظروف او حتما تكون قد تولدت بمرور الزمن او عوامل دخيلة او غيرها من الاسباب بل هي معتقدات دفينة ظهرت كما تحدثنا سالفا عندما وجدت لها متنفسا عندما ضعفت النفوس وتدنت الاخلاق وابتعدنا عن الاسلام وشريعته باحكامه وعقائده وبكل ما يحتويه حتى باتت تعيق المجتمع نحو هدفه الاسمى وهو التحرر من تلك الاخلاق والانطلاق نحو التقدم ومحاكاة المجتمع الغربي بكل ما فيه وان كانت افكاره لا تناسبنا ولا تنتمي الينا رغم مناداة البعض وصياحهم المتكرر “ان اعيدوا لنا اسلامنا”
الا انه في تلك الرحلة نحو التحرر من كل شيء ظهرت الموروثات القديمة وخلقت لها مشكلات وتناقضات جديدة في مجتمعنا والسبب في ذلك يرجع الى ان مجتمعنا الشرقي بطبعه – كما نطلق عليه – مجتمعا ديكتاتوريا ذكوريا في المقام الاول يدور حول الفرد المطلق وان الرجل هو محور الحياة والكون فواجه في رحلته تلك على مستوى الحكام والحكومات ان ذلك التحرر المنشود قد يفقدهم السيطرة على شعوبهم وهم الحكام العظام والملوك الالهة ، اما على المستوى الفردي وجد الرجل الشرقي بطبعه الذكوري بفكره انه لن يتمكن من السيطرة على اسرته من زوجة وبنات فعلى المستويين خلق مشكلات وتناقضات عديدة في المجتمع بدءا من الفرد العادي ووصولا الى الحكام فبدات رحلة العودة للاخذ من الشرائع السماوية ما يتراءى لهم انه يتفق مع اهوائهم امثلة ذلك (القوامة – الرجال قوامون على النساء )
ثم يقف الدين من وجهة نظرهم عن الاسترسال في التفسير وفهم النص الديني وذلك على المستوى الخاص للفرد اما على المستوى العام فالحاكم لا يجوز نقده ولا الخروج عليه بالثورات وغيرها وما شابه وما يتبع ذلك من فتن تاتي بالخراب على البلاد والعباد وكل ذلك ادى الى خلق تلك التناقضات والمشكلات التي لا حل لها حتى قيام الساعة فالحاكم يريد بناء الوطن على اكمل وجه كمثيله في الحضارة الغربية لكن تؤرقه فكرة تداول السلطة وان ياتي غيره ليجلس على عرشه كانه ارث وصل اليه وتضجع نومه فكرة ان يصبح فردا عاديا من الرعية بعد ان كان الملك الاله فيقوم باغراق الرعية في الفقر او الجهل والمرض
والرجل يريد التحرر والانطلاق وان يفعل ما يحلو له لكن تؤرقه ايضا فكرة المساواة وانطلاق المراة معه على نفس قدم المساواة وان تكون لها نفس سيطرته على امور الحياة فيعود الى الحديث عن القوامة والشرع الذي احل له مثنى وثلاث ورباع ولا مانع من الاستناد على استثناءات واهية من الشرع في مضايقة المراة في البيت او خارج البيت بالاخص حتى لا تخرج منه خوفا على نفسها وعلى كرامتها
كما لن ننسى ان نوجز في كلمات بسيطة ان نعرض لفكرة اخرى لن نستطيع غض النظر عنها باي حال من الاحوال سواء أكانت الفكرة منتشرة على كافة النطاقات وكافة الاجيال السابقة واللاحقة او لا تعدو كونها مجرد حالات فردية انتشرت بين جيل سابق ولم تعد موجودة الا وهي ان المرأة بعد ان صارت أما تنشيء وتربي اجيالا قد تتحمل الجزء الاكبر فيما يحدث لها نتيجة تربيتها لابنائها على معتقدات ينشاون عليها أو تلك الاقاويل التي تملأ رؤوسهم بها منها انهم رجال البيت وعماده ولهم مطلق الحرية والتصرف ما ليس لاخواتهم البنات وان اخواتهم البناء ما الا اشياء تقع تحت وصايتهم وتقبع تحت مسئوليتهم ….. الخ
اقرأ ايضا
تلك المعتقدات التي لا تنتهي وتحتاج الى وقت كبير لسردها ووقت اكبر لمحو اثارها
كل ما سبق يدفعنا الى الهاوية ويقودنا الى النهاية الحتمية لسقوط ذلك المجتمع في براثن التناقضات والرجعية والتخلف والتمزق ما بين الانطلاق والحرية وما بين ما نشانا عليه من معتقدات وموروثات وستنتهي الى مصير مفجع ومؤلم ، فهو لم ولن يعود ابدا كما كان مجتمعا متدينا بطبعه يتحلى باخلاق مثالية رائعة بكل ما تحمله تلك الكلمات من معان سليمة ونهجا قويما يؤدي به الى الانطلاق الصحيح نحو الحرية المثالية والمجتمع الفاضل ولن تتمكن موروثاته ومعتقداته القبلية القديمة التي عاودت الظهور من جديد باشرس ما كانت عليه ان تقوده هي الاخرى نحو ما اراد ، واخر الامور المفجعة ان المجتمع لن يستطيع ان يظل على حاله تلك ولن يكون بامكانه التعايش والتكيف مع ما يعوقه من مشكلات وتناقضات باي حال من الاحوال فهي تستنزف طاقته وتحد من حركته وحتما ستقوده الى نهاية واحدة لا بديل عنها وهي ما نعيشه اليوم من حالة التآكل التي اصابته داخليا ووصوله الى النهاية المؤكدة وهي التدمير الذاتي
والسؤال الحقيقي والأهم هنا لماذا يتم تهميش الفرد ( رجلا كان او امرأة ) في مجتمعاتنا والعمل على اذلاله والقضاء عليه بكافة الطرق والوسائل واقتياده الى الموت لا ان يحيا حياة كريمة ؟؟!!
أترك لكم الإجابة عن هذا السؤال الهام !!